..بسم..
هل سألت نفسك يوماً لماذا تعبد الله ؟؟
* هل تعبده ـ جل وعلا ـ لنيل الأجر والثواب .. ورجاءً في دخول الجنة والتنعم بما فيها من الملذات فقط ؟؟
إذا كان الجواب نعم .. فأنت إذن كالأجير الذي لا يخدم إلا لأجل الأجرة ، فإذا أخذها انصرف عن باب المستأجر !
* أم أنك تعبده ـ سبحانه ـ خوفاً من أليم عقابه .. وخوفاً من الخلود في النار وما فيها من السموم والحميم فقط؟؟
إذا كان الجواب نعم .. فهذا الخوف المجرد من الحب والرجاء سيوصلك إلى اليأس من رحمة الله ، وهذا منهج غلاة العباد الذين منهم الحرورية ( الخوارج ) الذين غلب عليهم الشدة في العبادة والتنطع والغلو .
إذن لماذا نعبد الله ؟؟؟
الجواب الصحيح : نعبد الله لأنه أهل للعبادة ، ومستحق لها ،، ورجاء في جنته وثوابه ، وخوفاً من عقابه .. لا نغلب جانباً على آخر ..
قال تعالى : ( له دعوة الحق ) ، فالله سبحانه تعالى صاحب دعوة الحق لذاته وصفاته وإن لم يوجب لداعيه بها ثواباً ، فإنه يستحقها لذاته ، فهو أهل أن يعبد وحده ، ويدعى وحده ، ويقصد ويشكر ويحمد ، ويحب ويرجى ، ويخاف ، ويتوكل عليه ، ويستعان به ، ويستجار به ، ويلجأ إليه ويصمد إليه ، فتكون الدعوة الإلهية الحق له وحده ..
أي نريد الله ، ونريد ثوابه ، ونخاف عقابه
فالقلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه ، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران ، ومتى قطع الرأس مات الطائر ، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر .
وهؤلاء هم خواص خلق الله عز وجل : من يريده ويريد ثوابه . قال الله تعالى : ( وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً ) [ الأحزاب : 29 ] ، فهذا خطابه لخير نساء العالمين أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقال الله تعالى : ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً ) [ الإسراء : 19 ] فأخبر أن السعي المشكور : سعي من أراد الآخرة ، وأصرح منها : قوله لخواص أوليائه وهم أصحاب نبيه ورضي عنهم في يوم أحد : ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) فقسمهم إلى هذين القسمين اللذين لا ثالث لهما .
وقد غلط من قال : فأين من يريد الله ؟
فإن إرادة الآخرة عبارة عن إرادة الله تعالى وثوابه ، فإرادة الثواب لا تنافي إرادة الله ..
وهناك من يريد من الله ولا يريد الله !!
فهذا ناقص غاية النقص وهو حال الجاهل بربه الذي سمع : أن ثم جنة وناراً ، فليس في قلبه غير إرادة نعيم الجنة المخلوق ، لا يخطر بباله سواه ألبتة ، بل هذا حال أكثر المتكلمين المنكرين رؤية الله تعالى والتلذذ بالنظر إلى وجهه في الآخرة ، وسماع كلامه وحبه ، والمنكرين على من يزعم أنه يحب الله وهم عبيد الأجرة المحضة ، فهؤلاء لا يريدون الله تعالى .
خلاصة القول ...
من أصول العبادة، أن الله تعالى يُعبد بالحب والخوف والرجاء جميعاً، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال، قال بعض العلماء: (من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجيء).
قال الله تعالى : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) [ الإسراء : 57 ] فابتغاء الوسيلة إليه : طلب القرب منه بالعبودية والمحبة فذكر مقامات الإيمان الثلاثة التي عليها بناؤه : الحب والخوف والرجاء ..
_______
مقتبس من كتاب مدارج السالكين لابن قيم الجوزية رحمه الله .