مسلم مقاوم مشرف
عدد الرسائل : 514 العمر : 37 البلد : المغرب الدولة : اعلانات نصية : مدونة البرامج
بلدنا فلسطين
اعلانك هنا
تاريخ التسجيل : 23/11/2007
| موضوع: موسعات التاريخ الإسلامي (1) 25/11/2007, 4:22 pm | |
| البداية بدأ تاريخ الإسلام يوم خلق الله -عز وجل- الكون بسماواته وأراضيه، وجباله وسهوله ونجومه وكواكبه، وليله ونهاره. وسَخَّرَ كل هذا للإنسان.
وبدأت حياة هذا الإنسان فى الكون عندماخلق الله -عز وجل- آدم من تراب ونفخ فيه من روحه ثم خلق الله حواء؛ لتكون زوجة لآدم، ولتكون منهما البشرية.
وسمح الله -سبحانه- لآدم وحواء أن يعيشا فى الجنة، ويستمتعا بكل شىء فيها بشرط أن لا يأكلا من شجرة واحدة منها، ونبَّه سبحانه آدم إلى عداوة الشيطان له، وحذره منه.
وعاش آدم وحواء فى الجنة، سالمين عابدين يستمتعان بخيراتها، تحيط بهما الأشجار المثمرة، والأنهار العذبة، فكانت حياة جميلة هادئة، حتى جاءهم الشيطان وأغواهما أن يأكلا من الشجرة التى نهاهما الله عنها، وأكل هو وزوجه من الشجرة المحرمة، فأخرجهما الله-عز وجل- من الجنة حيث كانت السعادة والراحة، وأنزلهما إلى الأرض حيث التعب والشقاء.
وعلم آدم أنه عصى ربه، فأسرع وتاب إليه؛ ودعا ربه، فعفا عنه، وتاب عليه، وأمر آدم أن يهبط إلى الأرض هو وزوجته، وأُنزل معه الشيطان قال تعالى: (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 38].
وبدأت حياة البشرية على الأرض بآدم -عليه السلام- وزوجه وجاءت منهما ذرية مسلمة مؤمنة بالله، وعلمهم الله الزراعة، وكيفية الاستفادة من مياه المطر، ومن الأنعام، بلحومها وألبانها وأصوافها، وعلمهم صناعة السفن وركوب البحر، وكيف يهتدون بالنجوم فى سيرهم فى ظلمات الطرق، وغير ذلك مما ييسر لهم العيش على الأرض.
وعلَّم الله -سبحانه- آدم -عليه السلام- كيف يباشر المهمة التى خلقه لها، ووضَّح آدم لذريته طريق الخير، وحذرهم من طريق الشر، وأخبرهم أنهم سيموتون ويبعثون ويحاسبون، وأن الفائز من يدخل الجنة، والخاسر من انتهت حياته وأعماله إلى النار.
ونبه آدم ذريته إلى أن الشيطان عدوهم الأول، وإلى خطورة دوره فى حياتهم، وأخبرهم أنهم فى مأمن من الشيطان ماداموا عبادًا مخلصين لله -عز وجل-، قال الله تعالى للشيطان: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر: 42].
وفهمت الأجيال المسلمة التى تربت على عهد آدم الدرس كاملا، فعاشت فى طاعة الله مئات السنين، حتى بدأ العصيان يظهر بينها، وبدأ الانحراف يزداد يومًا بعد يوم، وينتهى إلى عبادة غير الله والكفر باليوم الآخر، وكان الله -عز وجل- يرسل إلى هذه الأجيال المنحرفة الأنبياء والرسل، ومنهم نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى ومحمد -عليهم السلام-، وكانت دعوتهم جميعًا( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 59].
وهذه هى دعوة الإسلام: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون )[الأنبياء: 92]. إن مسيرة الأنبياء الكرام عبر السنين الطويلة وحتى مبعث أكرم الأنبياء محمد ( هى جزء أصيل من تاريخنا الإسلامى، لذا كانت دعوة محمد (: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون )[البقرة: 136].
إنه لا دين غير الإسلام: ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [آل عمران: 19]. (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين [آل عمران: 85].
النور الخاتم كان الأنبياء يبشرون بآخر الرسل ، ويخبرون أنه سيجىء فى آخر الزمان نبى لا نبى بعده، وتحققت البشرى الكريمة، وجاء محمد ليقول: " مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة فى زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا تلك اللبنة، وأنا خاتم النبيين" [متفق عليه].
فالإسلام صرح عظيم ساهم فى بنائه كل نبى من أنبياء الله. وكان فضل الله على نبيه عظيمًا، فقد آتاه من أنعمه ما لا يحصى، ولأجل ذلك أسرعت إليه الأفئدة السوية من سادات الأقوام وضعفائهم، وجاء إليه الرجال الأطهار من الأنصار أهل المدينة يطلبونه؛ ليخرج إليهم، ويبايعونه على أن يخوضوا معه الصعاب لترتفع راية الإسلام.
ووقف رسول الله وهو يحمل أشرف رسالات السماء إلى الأرض، ويصعد بأصحابه إلى مراقى الكمال، حتى كان منهم علماء الدنيا وقادتها ورجالها، ولم يهدأ رسول الله لحظة منذ حمل الأمانة، وحتى اللحظات الأخيرة من عمره المبارك، لما ثقل به الوجع جعل يحاول الخروج للصلاة مع أصحابه، لكنه كان لايستطيع، فيطلب ممن حوله أن يصبوا عليه ماء فيفعلون، فيفيق، فيكون أول سؤاله: "أصلى الناس؟" فيقال له: لا، هـم ينتظرونك يا رسول الله. فيطلب أن يصبوا عليه الماء، ليفيق من مرضه، ويحاول مرة بعد مرة فلا يستطيع، كل ذلك والناس منتظرون فى المسجد لا يستطيعون مفارقته قبل أن يروا حبيبهم وزعيمهم وقائدهم، لكنه لا يخرج، فقد اشتد به الوجع، وأمر أبا بكر أن يصلى بالناس. وفى الأيام التالية، وجد فى نفسه خفَّة، فخرج لأصحابه فى صلاة الظهر متوكئًا على ابنىْ عمه الفضل بن العباس وعلى بن أبى طالب، وجلس على أول درجة من درجات المنبر، وقال: "إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله" [أحمد]. فبكى أبو بكر الصديق ووقف الصحابة يتعجبون لبكائه.
لكن أبا بكر كان قد فهم ما لم يفهمه الصحابة؛ لقد فهم أن العبد المخير هو رسول الله وأن اختيار رسول الله لما عند الله يعنى قرب الفراق. وصعدت روح رسول الله إلى الرفيق الأعلى فى هذا اليوم، فتزلزلت نفوس الصحابة حتى وقف عمر بن الخطاب يهدد من يذيع الخبر قائلا: زعموا أن محمدًا مات، وإنه والله ما مات، لكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى، والله ليرجعن رسول الله حقّا.
وجاء أبو بكر الصديق فدخل على رسول الله، وتحقق من الخبر، فقَبَّل جبين رسول الله قائلا: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، طبت حيًا وميتًا وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من العالمين. ثم خرج إلى أصحابه يعيد صوابهم قائلا: أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت. ثم تلا عليهم قول الله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِين )[آل عمران: 144] [والحديث رواه أحمد].
وهنا رجع الصحابة إلى رشدهم، فقد فهموا أن الله قد اختار حبيبه إلى جواره، وأن الأمانة لا زالت فى أعناقهم، وأنهم كى يلتقوا به ثانية لابد أن يكونوا على طريقه حتى يكون الملتقى فى الجنة إن شاء الله. تُرى كيف سيكون تاريخهم وتاريخ من بعدهم؟ هذا هو حديث الكتاب.
دولة الخلفاء الراشدين لقد كان المسلمون أثناء حياة النبى فى أمن وسكينة، فالرسول يدبر أمورهم، ويقود جموعهم، ويرشدهم، ويهديهم، ويفتيهم فيما يعنيهم.
فلما مات النبى شعر المسلمون أنه لابد لهم من راعٍ يخلف الرسول فى تدبير أمورهم، ويقود مسيرتهم، ويحمل راية الإسلام عالية خفاقة، فمن يتولى أمرهم بعد النبى ؟! إن الرسول لم يعيّن أحدًا من بعده ؛ بل ترك الأمر شورى بينهم، يختارون خليفتهم بأنفسهم لكن من يكون ذلك الخليفة ؟
سقيفة بنى ساعدة: لابد من اجتماع للتشاور، والاتفاق على رأى، فليلتق الجميع فى سقيفة بنى ساعدة، وليتفقوا على من يختارونه، لكن الأنصار قد سبقوا إلى السقيفة، واختاروا واحدًا منهم هو سعد بن عبادة. فلما علم عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق وأبو عبيدة بن الجراح، أسرعوا إلى السقيفة، ووقف أبو بكر فيهم خطيبًا، فتحدث عن فضل المهاجرين وفضل الأنصار ثم ذكر أن الخليفة يجب أن يكون قرشيّا، إذ إن الناس لا يطيعون إلا هذا الحىّ من العرب، ثم اختار للناس أن يبايعوا إما عمر وإما أبا عبيدة، فرفض عمر وأبو عبيدة ذلك الأمر لعلمهما بفضل أبى بكر وسابقته، وهنا وقف بشير بن سعد وهو أحد زعماء الأنصار، وطلب من قومه ألا ينازعوا المهاجرين فى الخلافة ! وهذا موقف نبيل؛ إنه حريص على وحدة الصف، وعلى الأخوة الإسلامية، لا يفكر إلا فى المصلحة العامة، وهنا أعلن عمر ابن الخطاب ومعه أبو عبيدة بن الجراح مبايعتهما لأبى بكر الصديق. وبايع كل من كان فى السقيفة أبا بكر، ثم شهد مسجد الرسول ( بالمدينة بيعة عامة على نطاق أوسع ضمت كل الذين شهدوا بيعة السقيفة والذين لم يشهدوها، وأصبح أبو بكر خليفة المسلمين، وكان ذلك سنة 11هـ/ 633م. لقد كان أبو بكر جديرًا بذلك، وكان المسلمون جميعًا على قناعة بذلك، فقد رضيـه رسول الله ( لدينهم إمامًا فصلى خلفه، وأمر الناس بالصلاة خلفه، وهو مريض، فكيف لا يرضونه لدنياهم؟ خلافة أبى بكر الصديق (11 - 13 هـ / 632- 634م )
تمت البيعة لأبى بكر، ونجح المسلمون: الأنصار والمهاجرون فى أول امتحان لهم بعد وفاة الرسول ، لقد احترموا مبدأ الشورى، وتمسكوا بالمبادئ الإسلامية، فقادوا سفينتهم إلى شاطئ الأمان. وها هو ذا خليفتهم يقف بينهم ليعلن عن منهجه، فبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قال: "أيها الناس، إنى قد وليت عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى (ردونى عن الإساءة)، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ له حقه، والقوى ضعيف عندى حتى آخذ منه الحق إن شاء الله تعالى، لا يدع أحد منكم الجهاد، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة فى قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله" [ابن هشام].
كان الإسلام فى عهد النبى قد بدأ ينتشر بعد السنة السادسة للهجرة، وبعد هزيمة هوازن وثقيف بدأت الوفود تَرِد إلى الرسول معلنة إسلامها، وكان ذلك فى العام التاسع!
جهاد أبى بكر: لقد دخل الناس فى دين الله أفواجًا، وقلَّ عدد المشركين الذين يعبدون الأصنام، وطهرت الجزيرة العربية من الشر، لكن بعض الذين دخلوا فى الإسلام كان منهم ضعاف الإيمان، ولم يكن الإيمان قد استقر فى قلوبهم، وقد دخله بعضهم طمعًا فى الأراضى والأموال.
وكانت وفاة الرسول فرصة لهؤلاء وأولئك لكى يظهروا ما أخفوه خلال الفترة الماضية، ولكى يعلنوا ردتهم عن الدين الحنيف، فماذا يفعل الصديق، والخلافة فى أول عهدها ؟! إن هناك جماعة منعت الزكاة، وأخرى ارتدت، بل ادعى بعض الناس منهم النبوة !
جيش أسامة: لقد كان على أبى بكر -رضى الله عنه- أن يواجه هؤلاء جميعًا. وليس هذا فقط بل كان عليه أن يؤمِّن حدود الدولة الإسلامية ضد الأعداء الخارجيين، وكان الرسول ( قد أعدَّ لذلك جيشًا بقيادة أسامة بن زيد، ولكنه ( مات قبل أن يبرح الجيش المدينة، وظل أسامة بجيشه على حدود المدينة ينتظر الأوامر! وراح الجميع يفكرون فى مواجهة أعداء الأمة الإسلامية الوليدة!
وكان رأى بعض المسلمين أن توجه كل الجهود إلى محاربة المرتدين، وأن يؤجل إنفاذ جيش أسامة لمحاربة الروم إلى ما بعد القضاء على المرتدين، وأن يتفرغ أبو بكر لذلك، ولكن أبا بكر وقف شامخًا راسخًا، يؤكد العزم على قتالهم جميعًا فى كل الجبهات، قائلا عن مانعى الزكاة: "والله لو منعونى عِقَال بعير (ما يربط به البعير) كانوا يؤدونه إلى رسول الله ( لقاتلتهم عليه" [متفق عليه] ولقد أصر أن يتم بعث أسامة قائلا: "والله لو ظننت أن السباع تخطفنى لأنفذت بعث أسامة كما أمر الرسول (" [ابن كثير].
حملات عسكرية: وأعد أبو بكر -رضى الله عنه- إحدى عشرة حملة عسكرية، كان من أشهرها: حملة خالد بن الوليد، وحملة العلاء بن الحضرمى.
جيش العلاء بن الحضرمى: كان ملك البحرين، قد أسلم فى عهد الرسول ، وأقام فى رعيته الإسلام والعدل، وعندما مات رسول الله ومات ملك البحرين، ارتد أهل البحرين، وقال قائلهم: لو كان محمد نبيّا ما مات. وبقيت بالبحرين قرية يقال لها جُوَاثا ثابتة على دينها، فقد قام فيها رجل من أشرافهم وهو الجارود بن المعلى، وكان ممن هاجروا إلى رسول الله ، فقال: يا معشر عبد القيس إنى سائلكم عن أمر فأخبرونى إن علمتموه. قالوا: سَلْ. قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟ قالوا: نعم. قال: تعلمونه أم ترونه؟ قالوا: نعلمه. قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا. قال: فإن محمدًا مات كما ماتوا، وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فقالوا: ونحن أيضًا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وثبتوا على إسلامهم [ابن كثير].
وأرسل أبو بكر العلاء بن الحضرمى أحد كبار الصحابة إلى حرب المرتدين من أهل البحرين، وكان العلاء على معرفة بأحوال هذه البلاد لأن الرسول كان قد أرسله ليجمع الزكاة من أهلها. وحدث فى هذه الغزوة أن نزل العلاء منزلا فلم يستقر الناس على الأرض حتى نفرت الإبل بما عليها من زاد الجيش وخيامهم وشرابهم، وبقوا على الأرض ليس معهم شىء سوى ثيابهم، وذلك ليلا، ولم يقدروا منها على بعير واحد، فأصاب الناس همٌّ عظيم وجعل يوصى بعضهم إلى بعض، فنادى منادى العلاء، فاجتمع الناس إليه، فقال: أيها الناس، ألستم المسلمين؟ ألستم فى سبيل الله؟ ألستم أنصار الله؟ قالوا: بلى. قال: فأبشروا والله لا يخذل الله مَنْ كان فى مثل حالكم. ونودى لصلاة الصبح حين طلع الفجر، فصلى بالناس، ثم جثا على ركبتيه، وجثا الناس، واستمر فى الدعاء حتى طلعت الشمس، وجعل الناس ينظرون إلى سراب الشمس يلمع مرة بعد مرة وهو يجتهد فى الدعاء، فوجدوا إلى جانبهم غديرا عظيمًا من الماء. فمشى ومشى الناس إليه فشربوا واغتسلوا، فما انتهى النهار حتى أقبلت الإبل من كل مكان بما عليها لم يفقدوا شيئًا من أمتعتهم.
والتقى جيش العلاء بالمرتدين فهزموهم، وفروا منهم فى البحر إلى "دارين"، فتبعهم المسلمون، لكنهم عندما وصلوا إلى ساحل البحر ليركبوا، وجدوا أن المسافة بعيدة،ولو انتظروا حتى يجهزوا المراكب التى سوف يعبرون عليها، لتمكن الأعداء من الهروب، فاقتحم العلاء البحر بفرسه وهو يقول: يا أرحم الراحمين، يا حكيم يا كريم، ويا أحد يا صمد، يا حى يا محيى، يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت يا ربنا. وأمر الجيش أن يقولوا ذلك، ففعلوا وعبر بهم الخليج بإذن الله، فقطعه إلى الساحل الآخر، فقاتل عدوه وهزمهم، وأخذوا غنائمهم وأموالهم. ولم يفقد المسلمون فى البحر شيئًا سوى عليقة فرس. وكان مع الجيش راهب من أهل هجر، فأسلم وقال: خشيت إن لم أفعل أن يمحقنى الله لما شاهدت من الآيات، ولقد علمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله، فحسن إسلامه [ابن كثير: البداية والنهاية].
لقد خرج المؤمنون خالصة نواياهم، غايتهم العزة لدين الله العظيم، من أجل ذلك أمدهم الله بكراماته، وأيدهم بنصره.
لقد هزت هذه الجيوش الجزيرة العربية هزّا عنيفًا، وأعادت المارقين والخارجين إلى حظيرة الإيمان من جديد؛ ليعرفوا أن الله هو الحق المبين، وأن رسوله ( هو خاتم النبيين، وإذا كان محمد قد مات، فإن دين الإسلام الذى جاء به باق إلى يوم القيامة بإذن الله.
وكان جيش أسامة الذى أرسله أبو بكر لمحاربة الروم قد حقق الهدف الذى بعث من أجله، فَأَمَّنَ الحدود، وأعاد الثقة إلى النفوس!
وعرف الروم أن الدولة الإسلامية مازالت قوية، لم تضعف، وفى استطاعتها أن تصد كيد الأعداء. وفى وقت بعث أسامة، كان بعض مانعى الزكاة قد جاءوا إلى أبى بكر، فلما رأوا تصميمه على أخذ الزكاة، رجعوا إلى قبائلهم وأغروهم بالقضاء على الإسلام، والاستيلاء على المدينة، وكان أبوبكر قد وضع بعض الصحابة على أنقاب المدينة؛ لأنه توقَّع إغارتهم، وعندما اتجهوا بالفعل إلى المدينة، وعرف أبو بكر أوصى الواقفين على الأنقاب بالصبر، ثم اتجه هو وبعض الصحابة، إليهم ولقنوا هؤلاء المرتدين درسًا لا يُنسى، حتى يعلموهم وغيرهم أن الدولة الإسلامية لم تضعف بعد وفاة النبى(. كما عمل أبو بكر -رضى الله عنه- على القضاء على كل من تسول له نفسه أن يطعن فى دين الله، كأولئك الذين ادعوا النبوة أمثال الأسود العنسى وسجاح التى أسلمت فيما بعد، ومسيلمة الكذاب الذى أرسل إليه أبو بكر جيشًا هزمه شر هزيمة فى وقعة اليمامة، حيث قتل الله الكذاب بعد ما استشهد كثير من الصحابة وخاصة بعض حملة القرآن منهم.
| |
|