موضوع: موسعات التاريخ الإسلامي (4) 25/11/2007, 4:26 pm
موقعة البويب: وفى عهد عمر كانت كفة المسلمين قد رجحت على الروم بعد انتصارهم فى معركة "أجنادين"فاتجه عمر -رضى الله عنه- إلى معاودة الزحف على بلادالفرس فبعث أبا عبيدة بن مسعود الثقفي، وأمر عمر -رضى الله عنه- المثنى بن حارثة أن يكون فى طاعة أبى عبيدة. وسار أبو عبيدة حتى عبر الفرات بمن معه من المسلمين وهناك دارت معركة عظيمة هى معركة "الجسر" استشهد فيها القائد أبو عبيدة الثقفى وعدد كبير من المسلمين بعد أن انتصروا على أهل فارس أولا فى عدة مواقع سابقة.
أرسل عمر -رضى الله عنه- إلى فارس جيشًا يقوده المثنى بن حارثة، وقد حقق المسلمون فى هذه الموقعة انتصارًا رائعًا، فقد قُتل "مهران" قائد جيش الفرس فى المعركة هو وكثير من أتباعه، وتلك كانت وقعة "البويب" وقد سماها المسلمون "الأعشار" لأن كثيرًا من المسلمين قتل كل واحد منهم عشرة من الفرس.
وفى "القادسية" التقى الفرس والمسلمون، قاد المسلمين سعد ابن أبى وقاص، وقاد الفرس رستم، وفر رستم وعشرات الآلاف من جنوده، وغنم المسلمون غنائم كثيرة بعد أن استمرت المعركة عدة أيام. وتساقطت مدن فارس فى أيدى الجيش الإسلامى تساقط الثمرات واحدة بعد أخرى، وكان انتصار المسلمين فى القادسية دافعًا لهم إلى مواصلة الزحف على العاصمة "طيسفون" التى سماها العرب "المدائن"، ويشتد القتال ضراوة، ويهدم الفرس الجسور حتى لا يستطيع العرب عبور نهر دجلة، ولكن المسلمين سرعان ما عبروا النهر بخيولهم، وهنا اضطرب الفرس وأحاطت بهم الهزيمة، وهرب "يزدجرد بن شهريار" إلى حلوان بأرض فارس.
وسقطت العاصمة الفارسية العريقة فى أيدى المسلمين، وكان سقوط العاصمة فى العام السادس عشر من الهجرة، (637م). إنهم لم يقبلوا مع العرب صلحًا، ورفضوا أن يدفعوا الجزية، وفضلوا عبادة الكواكب والنار والمجوسية على دين الله، وأعلنوا عداءهم واستعدادهم لقتال المسلمين، إذن لم يبق إلا الحرب.
معركة جلولاء: لقد هرب "يزدجرد" ليعد عدته للقاء آخر، وراح يعسكر بمنطقة "جلولاء"، والإمدادات تنهال عليه، والجنود يقومون بحفر الخنادق حول معسكره، ولكن المسلمين يقتحمون عليهم خنادقهم، وتدور معركة من أعنف المعارك، وثبت المسلمون حتى كُتِبَ لهم النصر، وكان قائد المسلمين فى معركة جلولاء "هاشم بن عتبة" ويهرب "يزدجرد" مرة ثانية؛ حيث ترك حلوان وفر إلى الري، ولم يبق إلا فتح الفتوح "موقعة نهاوند" إنها آخر محاولة يقوم بها "يزدجرد".
نهاوند: لقد جمع الكثير من الجيوش التى استماتت فى الدفاع والحرب، ولكن المسلمين هزموهم بإذن الله، لقد عزل عمر سعد ابن أبى وقاص، وولى مكانه النعمان بن مقرن وقد سقط النعمان شهيدًا بعدما رأى بشائر الفتح لاحت فى الأفق، فأخذ الراية أخوه نعيم، وناولها " حذيفة بن اليمان" وأشار عليهم المغيرة بن شعبة بكتمان خبر استشهاد الأمير حتى لا يرتاب الناس، فلما تم النصر على المشركين، جعل الناس يسألون عن أميرهم، فقال أخوه: "هذا أميركم، لقد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة". فاتبع الناس حذيفة ودخل المسلمون نهاوند بعد هزيمة الفرس، وكان العرب يسمون فتح نهاوند "بفتح الفتوح". وبعد نهاوند تقدمت الجيوش الإسلامية لتستولى على المدن المجاورة، وخضعت لهم منطقة "أذربيجان"، وكانت هذه الانتصارات الباهرة سببًا فى إضعاف الروح المعنوية عند الفرس.
لقد استسلم عدد كبير منهم ومالوا إلى الصلح، واستسلم عدد كبير منهم عنوة وقهرًا، ولم يستطع "يزدجرد" مقابلة المسلمين فى قوة كما فعل فى الماضي، وظل أمره فى نقصان حتى قتل بخراسان سنة 31هـ/ 652م، فى عهد عثمان -رضى الله عنه- وبموته انتهت دولة (آل ساسان). لقد دانت بلاد الشام للإسلام، ودانت بلاد الفرس للإسلام، حتى أصبح عصر عمر بن الخطاب بحق هو عصر الفتوحات الإسلامية.
فلم يكد المسلمون يستقرون هنا وهناك حتى أرسل سعد بن أبى وقاص أحد قادته وهو عياض بن غنم إلى أرض الجزيرة ؛ حيث تجمع جند الروم فى أعلاها فافتتح هذه البلاد. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استمرت الدولة الإسلامية فى عهد عمر تواصل فتوحها، والجند ينشرون الدعوة، والجهاد لا تنطفئ شعلته.
فتح أرمينية: لقد أرسل الخليفة القائد عبد الرحمن بن ربيعة الباهلى لفتح "أرمينية" سنة 18هـ/ 639م، وأرسل إليه المدد بقيادة سلمان الفارسى من جهة، وحبيب بن مسلمة الفهرى من جهة أخرى، وتمكنت القوات الإسلامية من فتح أرمينية، وراحت تواصل تقدمها حتى شمال جبال القوقاز. ما هذا الذى يجرى على الساحة؟ إنه نصر من الله.
قد أدى الجنود الفاتحون واجبهم، فلابد أن تقام لهم مدن جديدة تكون قريبة من الأراضى المفتوحة حديثًا ومواطن الغزو والجهاد فى المستقبل، ويقع الاختيار على الكوفة والبصرة فى العراق، وترتفع مآذنهما لتنضم إلى قائمة المدن الإسلامية.
لقد كان عهد عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- حافلا بالفتوحات الإسلامية، مليئًا بالغزوات والجهاد فى سييل الله، فقد فتح فيه مدن كثيرة، كحمص وقنسرين، تستر، والسوس، والرى، وقوس، وجرجان، وغير ذلك من البلاد الكثيرة.
إدارة عمر وسياسته: إن عمر بن الخطاب يعد نفسه مسئولا عن توفير الحياة الكريمة الشريفة للجميع، ويرى أنه لو عثرت بغلة فى العراق لكان مسئولا عنها. ومن أجل هذا نراه يوجه اهتمامه إلى تقوية الثغور والشواطئ والموانئ. ولا يفوته أن يحصى أسماء الجنود الفاتحين ليجعل لهم رواتب تفى بمطالبهم، وتكفل لهم حياة كريمة، ونراه يقوم بعمل إحصاء عام، ويدوِّن الدواوين، ويقسم الدولة إلى ثمانى ولايات هى: مكة، والمدينة، وفلسطين، والشام، والجزيرة الفراتية، والبصرة، والكوفة، ومصر، ويعين واليًا لكل ولاية ينوب عنه فى الصلاة وقيادة الجند، وإدارة شئون الحكم فى الولاية. ولا يكتفى بهذا، بل يرتب البريد، ويتخذ من الهجرة بداية للتقويم الهجرى.
كل ذلك فى عشر سنوات، وستة أشهر وأربعة أيام، مات بعدها شهيدًا بيد الغدر، فقد قتله أبو لؤلؤة المجوسى، الفارسى الأصل -وكان غلامًا للمغيرة بن شعبة-؛ حقدًا على الإسلام والمسلمين.
أمنية لم تتحقق: كان عمر مع عدله ورحمته يخشى أن يموت وهو مقصر فى حق رعيته، وكم كان يتمنى أن يذهب إلى الناس فى الولايات الثمانية ليدرس مشكلاتهم، ويحقق رغباتهم، وقد ورد عنه أنه قال فى آخر حياته: لئن عشت إن شاء الله لأسيرن فى الرعية حولا (عامًا) فإنى أعلم أن للناس حوائج تقطع دونى (لا أطلع عليها)، أما عمالهم (ولاتهم) فلا يرفعونها إلى، وأما هم فلا يصلون إلى، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، والجزيرة شهرين، وبمصر شهرين، وبالبحرين شهرين، وبالكوفة شهرين وبالبصرة شهرين. والله لنعم الحول هذا، لكن القدر لم يمهله فاستشهد -رضى الله عنه- قبل أن تتحقق هذه الأمنية. لقد طبق عمر المبادئ الإسلامية على نفسه أولا قبل أن يطلب من غيره تنفيذها. وكان يشترط على من يُولِّيه أمرَ المسلمين ألا يتعالى عليهم، ولا يستأثر لنفسه بشىء دونهم، ولا يغلق فى وجوههم بابه.
وكان يتباطأ فى معاقبة المسئولين فى حزم وقوة، إن هم أساءوا إلى الرعية، فالناس قد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، وليس من حق أحد أن يستعبدهم حتى لو كان واليًا، لقد قاسم بعض ولاته أموالهم لما أحس أن ثرواتهم زادت عما كانت عليه قبل تولى مناصبهم، وأنصف القبطى المصرى الذى اعتدى عليه ابن والى مصر عمرو بن العاص، وقال له: اضرب ابن الأكرمين. ووجه كلامه إلى عمرو قائلا: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.
القوى الأمين: وعندما بخلت السماء بمائها، وتوقفت الأرض عن أن تجود بزرعها فى عام الرمادة، واجه عمر الأزمة الطاحنة، وأشرف على إعداد الطعام بنفسه حتى مرت الأزمة بسلام، فكان عمر بحق كما وصفه على بن أبى طالب، إذ قال لعثمان يومًا فى كتاب الله: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) [القصص 26].
وهو الذى جعل من القلة كثرة، ومن الضعف قوة، ومن الذل عزّا، ومن الموت حياة، وأخرج من الصحراء رجالا كانوا أمثلة عظيمة فى العدل والإحسان، ولم يكن وراء هؤلاء إلا الإيمان المتين، والخلق الصالح، والأخذ بأسباب النصر والعمل الجاد المخلص لله
خلافة عثمان بن عفان (23 - 35 هـ/ 643- 655م ) جعل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- الخلافة قبل وفاته شورى في ستة من كبار الصحابة، هم عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن ابن عوف، وسعد بن أبى وقاص -رضى الله عنهم-، وجعل ابنه عبدالله بن عمر معهم مشيرًا ولا يحق لهم اختياره، وقد وقع الاختيار على عثمان بن عفان سنة 24هـ لتولى خلافة المسلمين.
وقد بدأ عثمان عهده بأن كتب إلى الولاة وعمال الخراج ينصحهم بالسير فى طريق العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، وزاد فى أعطيات جيشه.
الحالة السياسية للدولة: عمل عثمان على توطيد نفوذ المسلمين فى كثير من البلاد التى تم فتحها من قبل، كما نجح ولاته فى ضم مناطق جديدة إلى حوزة الدولة الإسلامية، ففى سنة 24هـ، جرى غزو "أذربيجان" و"أرمينية" للمرة الثانية على يد الوليد بن عقبة بعد أن امتنع أهلها عن دفع ما كانوا قد صالحوا المسلمين عليه، وفى نفس العام وصل معاوية بن أبى سفيان إلى الشام لصد الروم التى تحركت لغزو الشام واستعادتها من المسلمين، فأرسل جيشًا من أهل الكوفة بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلى فى ثمانية آلاف رجل، وتولى قيادة جيش الشام حبيب بن مسلمة الفهرى، فشنوا الغارات على الروم، وأوقعوا بهم، وتوالت الفتوحات الإسلامية، فعاود معاوية بن أبى سفيان غزو الروم، وتوغل فى أرضهم حتى وصل "عمورية"، وكان معاوية يهدف من وراء ذلك إلى شغل الروم بالدفاع عن الأقاليم المتاخمة للقسطنطينية فيسهل عليه فتح ما تبقى لهم من قلاع وحصون على ساحل الشام، وقد نجح فى ذلك ففتح قنسرين وغيرها.
وفى الشرق بلغ "عثمان بن عبدالله" أرض كابل (أفغانستان الحالية). وفى سنة 27هـ جهز الخليفة جيشًا لفتح إفريقية (تونس حاليّا) وفى العام التالى أمد الخليفة جيش الفتح بقوات جديدة فى مقدمتها عدد من أعلام الصحابة كعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص، والذين قد عرفوا بالعبادلة.
وانتصر جيش المسلمين على الجيش البيزنطى وسميت هذه الواقعة بغزوة "العبادلة"، وفيها قتل القائد البيزنطى جُرْجير على يد عبدالله بن الزبير، واستولى المسلمون على أرض تونس سنة 27هـ. وفى سنة 28هـ عمل معاوية على وضع النواة الأولى للأسطول الإسلامى، فاستأذن الخليفة فى ذلك، فأذن له فبدأ يعمل على إنشاء هذا الأسطول، كذلك سلك نفس المسلك عبد الله بن سعد بن أبى سرح والى مصر، ولما أتم معاوية تجهيز أول أسطول إسلامى اتجه به إلى غزو قبرص حيث كانت تعد محطة تموين للأسطول البيزنطى فى البحر المتوسط وهو الذى اعتاد مهاجمة الشواطئ الإسلامية، وتم لمعاوية فتحها سنة 28هـ.
ذات الصوارى: ولما بلغ هرقل إمبراطور الروم خبر استيلاء العرب على بلاده فى إفريقية جهز أسطولاً كبيرًا مؤلفا من 600 مركب، واتجه به من القسطنطينية فى البحر إلى ناحية تونس هادفًا إلى القضاء على البحرية الإسلامية الناشئة، فخرج إلى الأسطول الإسلامى بشقيه الشامى والمصرى بقيادة عبدالله بن سعد بن أبى سرح، والتقوا بمراكب الروم بالقرب من شواطئ "كيليكيا" فانهزم الأسطول الرومى، وفر قائده بما بقى من مراكبه فى موقعة "ذات الصوارى" سنة 31هـ.
وهكذا فقد كانت الفتوحات الإسلامية أيام عثمان بن عفان كبيرة وواسعة إذ أضافت بلادًا جديدة فى إفريقية وقبرص وأرمينيا، وأجبرت من نقض العهد إلى الصلح من جديد فى فارس وخراسان وباب الأبواب.
وضمت فتوحات جديدة فى بلاد السند وكابل وفرغانة، ورغم هذا فقد حدثت فتنة فى أواخر عهد عثمان، فقد اتهمه فيها البعض بأنه يقرب إليه بنى أمية ويستشيرهم فى أموره، ويسند إليهم المناصب الهامة فى الدولة، وظهرت بعض الشخصيات التى صارت تبث روح السخط والتمرد فى نفوس أهل البلاد، ومن ذلك ما قام به عبدالله بن سبأ (المعروف بابن السوداء) وكان يهوديّا يُظهر الإسلام، حيث تنَّقل بين الأقاليم الإسلامية محاولا إثارة الناس ضد الخليفة، ولم يمضِ على ذلك وقت طويل حتى أقبل إلى المدينة فى شوال سنة 35هـ وفد من العرب المقيمين فى مصر والكوفة والبصرة ومعهم بعض المطالب منها عزل الولاة الذين أساءوا للمسلمين، ومازالوا بالخليفة حتى قبل بعض مطالبهم، وسافروا من المدينة، ثم مالبثوا أن عادوا إليها وفى يدهم كتاب بختم عثمان، قالوا إنهم وجدوه مع رسول عثمان إلى ولاته يأمر فيه بحبسهم وتعذيبهم، فحلف عثمان أنه لم يكتب ذلك، ثم زعم الثائرون أن الكتاب بخط مروان بن الحكم فطلبوا إلى الخليفة أن يخرجه لهم فلم يقبل لكذب هذا الزعم ولخشية أن يقتلوه ظلمًا، فاشتدت الفتنة وحرَّض المحرضون بقيادة ابن السوداء، وضرب الثائرون حصارًا حول دار عثمان بن عفان، ولما علموا أن ولاة الخليفة فى الأقاليم الإسلامية أعدوا الجند لإرسالهم إليه شددوا الحصار على عثمان، وأساءوا معاملته، وبعد أن استمروا فى محاصرته أربعين يومًا، هجم عليه بعضهم وقتلوه، فقتل مظلومًا -رضى الله عنه- فى اليوم الثامن عشر من شهر ذى الحجة سنة35هـ الموافق السابع عشر من يونيه سنة 656م، وفُتِحَ بذلك باب عظيم من الفتنة والابتلاء على المسلمين.