بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فقد جعلت عنوان هذه الاستشارة بأنه سؤال قد حيَّرك، وإنما حصلت لك هذه الحيرة نظراً لما تجدينه من كثرة الكلام بحق أو بباطل في هذا الموضوع المهم والخطير وهو موضوع المحبة التي تكون بين الرجل والمرأة، وهذا السؤال أيضاً يدل على خير عظيم فيك، فإنك قد طلبت معرفة حكم الله جل وعلا فيه، ومعرفة ما يحلُّ وما يحرمُ منه؛ فهذا يدل على نية صالحة لديك - بحمد الله عز وجل – وهو أنك تريدين أن تكوني على طاعة الرحمن في جميع شؤونك حتى في هذا الميل القلبي الذي تسألين عنه.
وبداية فإننا نود أن نقدم مقدمة لطيفة حول المحبة، فما هو معنى الحب الذي يتكلم الناس حوله والذي تصاغ الأشعار فيه، والذي تساق القصص والحكايات لأجله؟ إنه ميل القلب إلى المحبوب، فهو ميل يجده الإنسان في نفسه إلى شخصٍ معين، وهذا له أنواع عديدة، فهنالك مثلاً: حب الوالد لأولاده والأم لأولادها، وهنالك حب الصديق لصديقه، وهنالك حب الإنسان لما يشتهيه من المطاعم والمشارب، فهذا كله ميل إلى الشيء، ولكنَّ سؤالك يتعلق بحب خاص وهو الحب المتبادل بين الرجل والمرأة، ولنكون أكثر دقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه التي يحل له الزواج بها. فهذا المعنى هو مراد سؤالك؛ لأن الحب لا يصح إطلاق الكلام فيه والحكم فيه، بل لا بد من التفصيل فيه، ومن تقييد ما يصح تقييده منه.
إذا عُرف هذا فإن الحب بهذا الاعتبار أمر قد ركبه الله جل وعلا في النفس البشرية، فالإنسان السوي بطبعه ذكراً كان أو أنثى يحب أن يميل إلى زوج يكون له، فالمرأة قد فُطرت على أن تميل إلى رجلٍ تعيش معه تتبادل معه المشاعر الكريمة وتحبه المحبة الصادقة، والرجل في هذا الشأن سواء بسواء كالمرأة، فهو يحب أن يكون له الزوجة التي تحبه ويحبها ويشتاق إليها وتشتاق إليه ويتبادلان معًا المشاعر الراقية الكريمة، فهذه فطرة في الإنسان قد جعلها الله تعالى فيه وركبها فيه، فالحب بهذا المعنى من أصل فطرة الإنسان وهو محتاج إليه؛ لأنه من تمام فطرته ولما كان الأمر كذلك فإن الله جل وعلا الكريم اللطيف الخبير الذي ركب في هذا الإنسان هذا المعنى وهو الحب قد شرع كذلك ما ييسر له تحصيله وإشباعه على أفضل الدرجات وأكملها وأحسنها، وهذا يستبين لك بقاعدة عظيمة نود أن تتمعني فيها وأن تتدبري فيها، وهي:
أن الله جل وعلا ركَّب في الإنسان أموراً فطرية، فركب فيه مثلاً حب التملك، فالإنسان بطبعه يحب أن يتملك، يحب أن يكون له المال ويحب أن يكون له البيت، ويحب أن يكون له الملابس الجميلة الحسنة، فهذا أمر قد ركَّبه الله تعالى في النفس البشرية، فهل حرمه؟ إن هذا يستحيل في شرع الله جل وعلا ويمتنع؛ لأن الله جل وعلا إذا ركَّب في الإنسان فطرة فإنه لم يبح ما يؤدي إليها فقط بل ويكملها ويتممها له حتى تكون على أفضل الصور وأكملها؛ ولذلك أباح للمؤمن أن يتملَّك وأباح له أن يحصِّل المال وأباح له أن يتزين بالزينة الحسنة التي تسر قلبه وتبهجه؛ ولذلك لما سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم – عن الرجل يحب أن تكون نعله حسنة وثيابه حسنة فهل هذا من الكبر؟ فقال - صلوات الله وسلامه عليه -: (إن الله جميل يحب الجمال) أخرجه مسلم في صحيحه.
ومن هذا المعنى: الحب؛ فإن الله جل وعلا قد ركَّب هذا المعنى في نفس الإنسان وجعله ميَّالاً إليه، فالمرأة تميل بقلبها إلى الرجل، والرجل يميل بقلبه وفطرته إلى المرأة، وكلاهما لا غنى لهما عن صاحبه، فشرع الله جل وعلا ما يتمم هذا الأمر على أتم الوجوه فجعل هذا الحب ليس فقط جائزًا بل جعله قُربة وعبادة، فيا للعجب !.. فإن قلت: فكيف ذلك؟ فالجواب: أن الله جل وعلا قد شرع لهذا الحب مكاناً سليماً يكون فيه لينمو على أطهر صوره وعلى أتمها وأفضلها، فجعل لهذا الحب مكاناً واحداً ألا وهو الزواج؛ فإذا تمَّ الزواج بين الرجل والمرأة فحينئذ تنمو بينهما المشاعر الكريمة العظيمة التي تجعل بين الزوجين المودة الصادقة والرحمة الندية وتجعل منهما جسدين في نفس واحدة، فهو يحبها حبًّاً شديداً ويقدمها في كثير من الأحيان على نفسه وهي متعلقة به تعلقًا شديداً، تحبه حبًّا بالغاً، فإذا غاب عنها سويعات شعرت أنها اضطربت وأنها تحتاج إلى أن تكون إلى جانب حبيبها وزوجها، فهذا هو الحب الذي شرعه الله تعالى.
فلاحظي وتأملي هذا الشرع المجيد العظيم كيف أنه لما ركَّب هذه الفطرة في نفس الإنسان لم يحرمه منها بل شرع له ما يؤدي إليها ويسَّر ذلك إليه، بل وحثَّ على ذلك وجعله من القربات حتى قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. وقال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في فيِّ امرأتك) متفق على صحته. بل قال - صلوات الله وسلامه عليه -: (وفي بُضع أحدكم صدقة) يعني الجماع. فقالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر على ذلك؟ فقال: (أريت إن وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ فكذلك إن وضعها في حلال يكون له أجر) أخرجه مسلم في صحيحه.
فبهذا النظر يحصل للمؤمن هدوء النفس ويحصل له قرارها، فهو إن أحب فيحب على طهر وعفاف ويحب بالمعنى السامي الراقي وهو حب المودة، وأما ما يجده الإنسان من رغبة أن يجتمع بزوجه في الفراش لتتم المعاشرة الزوجية؛ فهذا كما ترينه قد جعله النبي - صلى الله عليه وسلم – من الصدقات ومن القربات ومن العبادات، وليست نظرة الإسلام إلى العلاقة في الفراش بين الزوج والزوجة على أنها علاقة دنسة كما تنظر إليها بعض الأديان المحرمة كالأديان المحرفة عند النصارى واليهود، فهذا الدين الكريم ينظر إلى العلاقة بين الزوج والزوجة على أنها قُربة من القرب وعبادة عظيمة جليلة يُحبها الله تعالى ويرضاها، ولا ينظر إلى اجتماع الزوج مع زوجته في الفراش للمعاشرة نظرة على أنها نظرة الدون أو على أنها خطيئة كما هو أصل دين النصارى؛ فإنهم ينظرون إلى أن خطيئة آدم إنما كانت بهذا؛ ولذلك تجدين أنهم قد اخترعوا الرهبانية التي هي حرمان النفس البشرية مما فطرها الله تعالى عليه من طلب الزوج والعيش في بيت الزوجية.
فتجدين أن الرهبان والقساوسة لا يتزوجون، وكذلك الراهبات يحرمن أنفسهنَّ من هذه الفطرة التي جبل الله تعالى العباد عليها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا رهبانية في الإسلام).
فثبت لك بهذا الشرح اليسير اللطيف جواب جميع أسئلتك الكريمة، فثبت بهذا أن الحب ليس بمحرم في هذا الدين الكريم، بل هو فوق أن يكون مباحًا عبادة من العبادات، ولكن بشرط أن يكون في محله السليم، فعُلم بذلك أن العلاقات التي تكون بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهم قبل الزواج باسم الحب أو باسم الصداقة أو غير ذلك من المسميات إنما هي أمور محرمة قد حرمها الله تعالى؛ فإن الله جل وعلا قد حرم ما هو أدنى من مثل هذه العلاقات؛ كما قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.
ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النظرة الفجأة – أي النظرة بدون قصد - فقال: (اصرف بصرك) رواه مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك) رواه أحمد في المسند.
وأيضاً فإن النية الحسنة لابد أن تكون مقرونة بالعمل الصالح، فلا اعتبار بالنية الحسنة مع عمل فاسد، فالنية الحسنة إنما تصلح مع طاعة الرحمن، فلا يصح للإنسان مثلاً أن يسرق وينوي أن يتصدق بهذا الحرام على الفقراء ويقول: إن لي نية حسنة، بل إن هذا حرام إلى حرام، فسرقته حرام ونيته أن يتصدق بالمسروق حرام آخر؛ لأنه عبادة لله جل وعلا بما يُغضب الله؛ ولأن قصد أن يعبد الله بما يسخط الله ويغضبه، فهو شر إلى شر، وكذلك القول في العلاقات التي تكون باسم الحب قبل الزواج؛ فإن قال نيتي حسنة – وهذا أمر جائز – فهي شر إلى شر، بل النية الحسنة هي أن يطلب الأمر من وجهه ويطلبه مما شرع الله جل وعلا.
ونسأل عز وجل أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يحبك وتحبينه وتبنين معه بيتًا مؤمنًا صالحاً.
ومما ورد من الأدعية في شأن الحب الآعلى وهو الحب الواجب حب الله جل وعلا: اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يرزقني حبك، اللهم اجعل حبي إليك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد.
المصدر: http://www.islamweb.net/ver2/istisharat/details2.php?id=273903